مصر على مفتَرق طرق، ليست هي المرة الاولى التي يتم فيها تكرار هذه المقولة ولكن يبدو أنها ستتكرر كثيراً حتى يتم حسم الأمر في مصر وتستعيد ثورة 25 يناير وهجها وقدرتها وديناميكيتها وتبتعد عن حكاية "الصندوق هو الحكم". الثورة التي قامت في مصر كانت كافية لأن تُغير كل شيء هناك، الناس والمجتمع والقوى السياسية وأنماط عملها وسلوكياتها وسياساتها. إلا أنها لم تتمكن من إفراز قيادات سياسية جدية تمسك بالسلطة وتحقق الأهداف الأجتماعية والاقتصادية التي قامت من أجلها. فكانت فرصة تاريخية لن تتكرر لبعض القوى السياسية من الإسلامية والعلمانية والتيارات القومية في مصر لركوب موجة الثورة وحرف مسارها والاستيلاء على الأجواء التي تحققت بفعلها وبالتالي احتكار كل ما تحقق والإمساك بالسلطة وتحول هذه القوى الانتهازية إلى معبر وناطق بإسم الثورة والإدعاء بأنها كانت صاحبة الخطوات الأولى التي أشعلتها وأحالتها إلى مجرد "صندوق انتخابات" قابل للتزوير والمساومة والخداع والبيع والشراء. ولعل ما يحدث الآن في مصر من مظاهرات مليونية هائلة تنظمها حركة" تمرد" ماهو إلا محاولة لإنقاذ الثورة ومن ثم إنقاذ مصر والمصريين من سلطة الفاشية الدينية وحكم الإخوان المسلمين.
لا شيء أمام قادة الثورة على الأرض وفي الميادين، سوى العمل على إبعاد الثورة وحمايتها من انتهازية قوى المعارضة الرسمية التي عرف عنها قدرتها على التماهي مع السلطة الحاكمة من أجل الحصول على الإمتيازات والمناصب والبقاء على هامش الحدث السياسي الذي تصنعه. وأن لايكونوا ضحية الأسماء التي يتم الترويج لها كأسماء ثورية. الأسماء التي كانت جزءاً من النظام السابق أو سايرت سياساته وروجت لتوجهاته بذريعة "مصر قلب الأمة وحامية الأهداف القومية".
كل ما يتمناه الإنسان المخلص لمبادئ الثورة هو أن يكون لشبابها الدور الأساسي في إعادة تصحيح مسارها والاصرار على تحقيق أهدافها الاساسية: " عيش، حرية ، عدالة اجتماعية" بالإضافة إلى إسقاط حكم الإخوان المسلمين وعصابات المجاميع الإسلامية الأصولية المتطرفة والإرهابية الذين لايترددون في ارتكاب المجازر من أجل تثبيت حكمهم الأسود واللعب على أوتار الطائفية المقيتة. هذه القوى التي وجدت في مناخ الثورة فرصة سانحة للخروج من الجحور والأقبية المظلمة لتعيث في مصر فساداً وترويعاً ولتعلن حربها ضد كل من يختلف معها ويخالف توجهاتها، إن كان من المسلمين أم من غيرهم، فأعلنت الحرب ضد الفكر الحر والاعلام المستقل والقضاء وأطلقت العنان لشيوخ الفضائيات لأن يمارسوا دورهم في نشر الجهل ومحاربة الفن والإبداع والثقافة والمدنية والسياحة...الخ. وأشاعت الكراهية الدينية ضد الأقباط وضد الأقليات الدينية في مصر ولعل الجريمة التي ارتكبتها قبل عدة أيام في قرية زاوية أبو مسلم في الجيزة، كانت تتويجاً مريعاً لتوجهات هذه القوى ورسالة صريحة على ما سيتحقق في مصر لو كتب لها أن تواصل حكمها.
إن حالة الإنقسام السياسي والإجتماعي الذي تشهده مصر حالياً تحققت بفعل ممارسات حكم الإخوان المسلمين والقوى التي تدعمهم بكل ما تملك من قدرة على التدمير والقتل وإثارة الذعر في أوساط المصريين. أصبح محمد مرسي نموذجاً للرئيس الإسلامي الذي اقترنت فترة حكمه بالإنقسام ومخاوف الحرب الأهلية وتشديد النزعات الطائفية والعنصرية.
لقد نجحت ثورة 25 يناير، في اسقاط حكم مبارك ولكنها فشِلت في تحقيق أهدافها أو كتابة الدستور الذي يتمناه المواطن المصري، على أقل تقدير، بعد أن أوكلت امرها لحكم العسكر الذين مارسوا الحكم كسلطة عسكرية مطلقة بكل ما تتضمنه من قمعٍ ودكتاتوريةٍ سافرةٍ واعتقالات وسجون، فتحولوا بذلك من قوة تَخدُم السلطات الحاكمة وتنفذ سياساتها إلى سلطة فعلية مطلقة الصلاحيات.
الثورة التي تحولت إلى نموذج يُحتذى به لدى شباب العالم وقواه التحريرية والمدنية التي تخوض صراعاتها ضد أنظمة الحكم المختلفة من أجل الحقوقِ والحرياتِ وأصبحوا يقلدون خطواتها وآليات عملها وأنشطة ميادينها وأساليب خوضها للمعارك ضد قوى القمع البوليسية ولعل ما قام به شباب إسبانيا وتركيا والبرزايل أمثلة حية على ما نقول، لم تحدث دفاعاً عن القضاء أو حرية الإعلام، رغم حساسيتهما وأهميتهما، الثورة قامت من أجل وقف الإذلال المتواصل واستلاب الحقوق وانتهاك الكرامة الذي تعرض له المصريون طوال عقود من حكم الأنظمة المستبدة والمتغطرسة، الثورة تغيير جذري، اجتماعي وسياسي وثقافي واقتصادي ونفسي ومعنوي. هي قلب الوضع القائم وإنتاج حالة جديدة مغايرة ومختلفة كلياً.
على قادة الثورة وشبابها أن يعيدوا صياغة كل ماهو قائم في مصر من قانون ودستور وعلاقات سياسية وأن لاتخدعهم تحليلات المحللين ولا دفاعات فقهاء القانون والدستور، فالثورة التي قامت لا يحدها قانون أو دستور مكتوب، أصلاً، من أجل مناهضة حقوق وحريات وكرامة المواطن المصري. إن للثورة دستورها الثوري الخالص وهذا ما سننتظر إنجازه خلال الأيام القادمة.